هل زلزال تركيا مفتعل؟

ماريهان أحمد

تساؤل حير الجميع وأثار دهشة الكثير، فهل لأي دولة دخل في النكبة الكبرى التي أصابت تركيا وسوريا، وهل يمكن لأي قوة علمية أو تكنولوجية إحداث كوارث طبيعية مثل الزلازل والبراكين وغيرها، وكالعادة توجهت الشكوك نحو أمريكا، مثلما حدث في وباء كورونا الذي ظن الناس أنه مخطط لتدمير الكون ومازالت الحقيقة مجهولة إلى الآن.

أضواء غامضة قبل حدوث زلزال تركيا

بدأت القصة في السادس من شباط 2023، حين ضرب زلزال بقوة 7.8 درجات بمقياس ريختر شمال سوريا وجنوب تركيا، نتج عنه انهيار أكثر من سبعة آلاف بناية سكنية وتصدعت الأرض وانزاحت ناحية الغرب نحو ثلاثة أمتار تقريبًا>

كما دمر الزلزال آلاف الأسر فمات أكثر من 40 ألف، وأصيب نحو المئة ألف، فكان كارثة القرن، إذ أن العالم كله وقف حزين على جثث الأطفال والموتى، وعلى دمار البلدين.

سجلت الكاميرات بالتزامن مع وقت حدوث الزلزال، أضواء ساطعة باللون الأزرق تشبه البرق، تحديدًا في المناطق التي ضربها الزلزال، فأرجع البعض ذلك أنه برق نتاج العواصف الرعدية وانخفاض درجة الحرارة التي شاهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، وقال البعض الآخر أنها انفجار في خطوط الكهرباء.

فكان الرد على ذلك أن الأضواء التي سجلتها الكاميرات، كان مصدرها الأرض وليس السماء، حيث ظهرت وهي تتجه من الأسفل إلى الأعلى، فهي ليست برعد كما ظن البعض.

شاهد المزيد:-  النطاق السائل من لب الأرض يسمى اللب الداخلي

كما أن افتراض أنها انفجار في خطوط الكهرباء أيضًا ليس حقيقي لأن الأضواء كانت بعيدة عن المناطق السكنية ووقعت في منطقة لا يوجد بها محطات كهرباء ولا تمديدات كهربائية.

كما أن الأضواء لم تكن انفجار ولا نيران، فهي أضواء ساطعة، ظهرت على شكل ومضات تظهر وتختفي في مكان ما ثم تنتقل لمكان آخر، وظلت مستمرة حتى بعد انقطاع التيار الكهربي على المنطقة.

هل زلزال تركيا مفتعل

هل استخدمت أمريكا هارب لإحداث زلزال تركيا

وجه البعض شكوكه نحو حلف شمال الأطلسي(الناتو)، وقالوا أن برنامج الشفق القطبي النشط العالي التردد ((High frequency Active Auroral Research Program) المعروف باسم هارب هو المتسبب في هذا الزلزال، كما قال البعض أن أمريكا تستخدم برنامج لتغير الطقس واصطناع الكوارث، وهو سلاح العصر الحديث.

ولكن أكد موقع التحقق من المعلومات التابع لوكالة أنباء رويترز، أن لا يوجد أي دليل على أثبات هذا الافتراض، فهارب ما هو إلا برنامج يستخدم جهاز عالي التردد والطاقة لدراسة الأيونوسفير وخصائصه، وليس له أي علاقة بإحداث زلازل لا في تركيا ولا أي مكان في العالم، فكل المعلومات عنه، تفيد بأنه لا يمتلك مثل هذه القدرات.

أكدت الدكتورة جيسيكا ماثيوز المسؤولة عن برنامج هارب في جامع ألاسكا فيربانكس، في تحقيق وكالة رويترز حول الزلزال، أن الإمكانيات الخاصة ببرنامج هارب، لا يمكنها أن تحدث أي من الكوارث الطبيعية، فهو جهاز إرسال لاسلكي عادي، ما يميزه عن غيره من الأجهزة اللاسلكية أن حجمه كبير.

وقال الدكتور ديفيد هايسل مدرس الهندسة بجامعة كورنيل، أن لا يمكن نظريًا أن يتسبب هارب في زلزال أقل حتى من الزلزال الذي حدث في تركيا، ولا في أي كارثة.

أشار الدكتور توشي نيشيمورا أستاذ الهندسة الكهربية وهندسة الكمبيوتر بجامعة بوسطن، أن موجات الراديو الصناعية، يمكنها أن تفعل خلل بسيط في الغلاف الجو المحلي، ولكن لا يقارن ذلك مثلًا بالاضطرابات التي تحثها الشمس، فكيف يمكن أن تحدث هذه الموجات الاصطناعية اضطرابات قوية كالزلزال.

اقرأ المزيد:-  الزلازل والبراكين تسبب ماذا؟

وضح عالم الفيزياء ديفيد مالاسبينا، أن موجات راديو هارب تشبه كثيرًا محطات البث الإذاعي القوية، ولا يمكنها أن تخترق الأرض بأكثر من 1سم، فكيف يمكن أن تحدث زلزال على عمق كبير بهذا الشكل، فقد تخطى السبعة عشر متر تحت الأرض.

وتوالت الاستنكارات من العلماء والباحثين في علم الفيزياء والهندسة والكمبيوتر، في أكبر جامعات بالعالم، فكان تحقيق رويترز حول هذا الشأن كبير، ولكن كل النتائج أكدت أن لا صحة لهذه الشكوك وأن هارب لا يمكنه أن يكون سبب في أي زلزال، فهذا الكلام غير مسؤول وما هو إلا شائعات ينكرها العلم وينفيها العلماء.

هل زلزال تركيا مفتعل

السبب الحقيقي لظهور أضواء وقت الزلزال

ربما يحتاج العالم أن يتفهم أن هناك ظواهر كونية لا تفسير لها، وأن هناك أمور غيبية لا يعلمها البشر أو لم يتوصلوا إليها إلى الأن، كما يجب التخلي عن نظرية المؤامرة التي لا تخلف سوى الخراب والحروب، وبالنسبة للوميض الذي سجلته كاميرات المراقبة بقرب الزلزال، يمكن اعتباره أحد الظواهر الطبيعية التي تصاحب الزلازل.

أكد شهود عيان لزلازل سابقة وقعت في أماكن متفرقة، أن هناك وميض يصاحب الزلزال، خاصة إن كان زلزال عنيف بامكانه إحداث تشققات في القشرة الأرضية، ولكن عجز العلماء عن تفسير هذه الظاهرة بشكل دقيق.

نشر موقع ناشونال جيوغرافيك أنه في الثاني عشر من نوفمبر أبلغ مجموعة من الناس، عن مشاهدتهم لكرة ضوئية أرجوانية، عند نهر لورانس في مدينة كيبيك بكندا، وكان ذلك قبل الزلزال القوي الذي أصيب المدينة بحوالي عشرة أيام.

كما صاحب زلزال بيسكو الواقع في دولة بيرو عام 2007م، أضواء ساطعة في السماء، استطاعت كاميرات المراقبة التقاطها، قبل الزلزال، والذي بلغت قوته 8 درجات بمقياس ريختر.

شاهد:  أصوات قادمة من السماء تثير جدلا واسعا

السبب في ضوء الزلازل ضغط الصخور

نُشر في عام 2014م دراسة بحثية أجراها العالم فريدمان فرويند الأستاذ المساعد بجامعة ولاية سان خوسية، والذي يعمل بمركز أبحاث أميس التابع لوكالة ناسا، في مجلة سيزمولوجيكال ريسيرتش ليترز، تفيد بأن عند تحليل 65 حادث ضوئي للزلزال، ينتج شحنات كهربائية، يتم تنشيطها في أنواع معينة من الصخور أثناء نشاط الزلزال الواقع.

حيث إن الدراسة ذكرت أن صخور الغابرو والبازلت تحتوي على شوائب صغيرة في بلوراتها يمكنها أن تطلق شحنات كهربائية في الهواء.

واستطاع العلماء تقدير الظروف التي أدت لحدوث الأضواء توجد في أقل من خمسة من المئة في المئة فقط من الزلازل الواقعة في جميع أنحاء العالم، لذلك فهذا النوع من الزلازل نادر الحدوث، كما أن أضواء الزلازل لا تحدث إلا قبل الزلزال أو أثناء وقوعه، ولا يمكن مشاهدتها بعده.

أكد الباحثين العاملين على الدراسة، أن ضغط الصخور المتصادمة قبل وقوع الزلزال، يمكنها توليد شحنات كهربية تنتقل صعودا على طول الشقوق الجيولوجية بشكل شبه عمودي ، وحين تصل الشحنات إلى سطح الأرض وتتفاعل مع الغلاف الجوي، يحدث وقتها الوميض.

الضوء المصاحب للزلزال تفاعل كيميائي

يرى عالم الكيمياء فرويند أن الوميض السابق للزلازل، تفاعل كيميائي ناتج عن أن هناك صخرة بها عيوب تفقد ذرات الأكسجين المتواجدة داخل التركيب الكيميائي لها، وعندما يضرب زلزال قوي الصخرة فيعمل على تكسير الروابط الكيميائية التي تتضمن العيوب، ويثقبها ثقوب موجبة الشحنات، فيمكن أن تتسرب الثقوب الموجبة الشحنات إلى السطح بشكل عمودي وتصل إلى التصدعات الناتجة عن الهزة الأرضية، وحينها ينشأ مجال كهربي قوي يمكنه توليد الضوء.

الوميض مؤشر مبكر لوقوع الزلزال

يرى العلماء بشكل عام أنه من الممكن الاستفادة من وميض الزلازل والأضواء الصادرة، كتنبيه لأخذ الحذر من وقوع كارثة، فيقول العالم تيريولت.

أن ظاهرة وميض الزلازل استطاعت عام 2009م، من تحذير الناس بوقوع زلزال في لاكويلا في إيطاليا ، حيث شاهد رجل وميض منعكس على أثار منزلة فخرج وأسرته، ونبه من هم حوله، وبالفعل بعد ساعتين وقع الزلزال المدمر في المدينة.

فلابد أن يقوم العلماء والمتخصصين باختراع أجهزة كاشفة ومنبهة لهذه الأضواء ورصد هذه الظاهرة للتنبؤ بحدوث زلزال، وأخذ الإجراءات اللازمة، لتجنب الكوارث التي تؤدي لانهيار مدن بأكملها.